الخميس، 29 يناير 2009

دماء الأمة نبيذٌ على موائد الديبلوماسية


تمخّض الوزراء فولدوا إحالة موضوع غزة على مجلس الأمن.!؟
كرامة الأمة العربية تُسلّم إلى مجلس الأمن لأن القادة العرب "زعلانين من بعضهم البعض".!!
ما أبرعهم في تحويل الدم المراق إلى نبيذٍ يُترعُ على موائد الكيد والتشفّي.!؟
ماذا يمكن أن نقول؟
وماذا لم يقل بعد.؟
هل تنازل أحدكم للآخر في سبيل مصلحة الأمة.؟
هل فكر أحدكم أن مصلحة شعبه وقومه ورعيته، أهم من رضى "الأصدقاء".؟
هل جربتم لمرة أن تأخذوا قراراً مع أنفسكم، ولم تشعروا بالفخر حينها، بدل أن تلبسوا ثوب الاستكانة والمهانة.؟
كلكم يعرف حكاية الثور الأبيض والثور الأسود، وكلكم يعلم أن أكل الثور الأسود لا محالة هو مقدمة للإجهاز على الأبيض.!
هل يتصور عقلُ إنسانٍ أن قيادات دول تملك من القدرات ما يوازي ثلث أو قل ربع، قدرات العالم ولا تستطيع أن تتخذ قراراً يحسم موقفاً يتعلق بكرامة شعبها ويوقف إهراق دم أبنائها وإزهاق أرواحهم.؟
نحن نعلم، وهم يعلمون أنهم لو أرادوا لقدروا.. ونعلم أن مَن يملك القدرة ولا يستعملها حيث يجب، فهذا يعني أنه إما تجرد من قدراته لمصحة آخرين أو باعها في عتمة ليل بهيم، وإما أنه لا يريد أن يستعمل هذه القدرات لأنه لم يصدق أنه يمتلكها.
هذه هي المعادلة ببساطة.
لكن لماذا لا يريدون أن يستعملوا هذه القدرات، هنا يكمن التساؤل..
ولأنه معروف لديهم، يبقى أن هذا السؤال من الممنوعات، من المحرمات ويعاقب عليه القانون. وحذاري أن تقول إن الجواب ببساطة هو: أنهم شركاء بما يحصل.. جميعاً دون استثناء.؟
القادرون وغير القادرين، فالقادرون أخذتهم العزّة بأنفسهم وأرادوا أن يمسكوا زمام أمور الأمة بأيديهم، برغم أنهم جيّروها لأصدقائهم.. وغير القادرين يريدون أن يستفيدوا من فورة الشعب ضد القادرين، ووجدوا في ذلك فرصة لينالوا منهم.
الملك السعودي فيصل قال يوماً لا بدّ أن أصلي في القدس بعد استعادتها للسيادة العربية، قتلوه.. فأخافوكم، جعلوا فرائصكم ترتعد بعدما أوهموكم أنكم عاجزون.
قال ذلك حرصاً على كرامة الأمة، ولم يكن يومذاك على وئام مع كل الزعماء العرب، ولكنه كان صاحب بصيرة تحمل في صدرها شهامة العروبة الأصيلة.
ألا يكفي هذا درساً لكم لتتعلموا أن الكرامة تعادل الروح، وأنتم تعلمون أنكم لو توحدتم حول قراركم لما استطاعت قوة في الدنيا أن تهزمكم عنه.
الشعب يذبح..!
الشعب يراق دمه..!
الشعب تهان كرامته..!
ودماء الأمة تتحول إلى نبيذ على الموائد الديبلوماسية..!
كان يمكن أن نزيد في أطنان كلمات التأسي والبكاء على الأطفال والنساء والشيوخ.. وأن نُفرغ معاجم اللغة من كل مفرداتها للوصف الوجداني لما يجري، ويمكن أن نملأ الصفحات شتائم ولعنات، لكن ما هو الطائل من كل هذا.؟
صحيح أن البكاء على الأطفال لا تملك نفس مخلصة، بما ملكت من ضمير ووجدان، إلاّ أن تسيل دموعها.. لكن الأهم البكاء على وطن يضيع هكذا بكل بساطة.. أتصدقون.؟
نعم.. فلسطين اليوم على مفترق خطير.. وخطير جداً.. إنها آخر ضربة ممحاة لمحو اسم فلسطين عن الخارطة العالمية نهائياً.؟
تضيع فلسطين بكل بساطة على موائد العلاقات الديبلوماسية ودهاليز القرارات الدولية. وحين تقوم قلة مؤيدَة من أكثر من تسعين بالمئة من الشعب العربي، تتهم حيناً بالمغامرة وحيناً آخر بتأخير تقدم الأمة، بل أكثر من ذلك، تتهم بأنها تستفز العدو كي يريق دمائها..؟!!
يا للغرابة،.!؟
ويا لسخرية القدر.؟
كيف يعقل أن يتحول الحق الى باطل.؟
درسوا الوضع من خلال التقارير الميدانية، عبر الهواتف الدولية في عواصم القرار والسيادة، فوجدوا أنه لا حاجة إلى قمةٍ فأحالوا الأمر على وزارء الخارجية مع توصيات محددة، إياكم وإيجاد حل حقيقي.؟!
بالنسبة لنا كشعب، لا فرق أن تعقد القمة في أي دولة، فكلكم في الهوى تذوبون بليلى وصلا...
سادتي وقادتي.. أتدرون ما يقال عنكم في ازقة دول العالم وعلى ألسنة الناس العاديين.. أرسلوا عسسكم يتقصّون لكم الأقوال..؟!!
ولتعلموا أن تجميعكم وشعوبكم، حول موضوع غزة، أول أهدافه أن تنسوا القدس نهائيا.. طبعا تخليتم عن فلسطين.. أتدرون هذا.؟
ويبقى السؤال الأهم، هل حقاً نحن شعب له الحق أن ينتقد قادته.!؟؟؟

ضياع فلسطين

قلنا في المقال الأول الذي كتبناه حول غزة، إن الذي يجري هو أبعد من حدود غزة، إنه الممحاة التي تعمل على محو فلسطين ، كل فلسطين، من خلال توزيعها يمنة ويسرى، قلباً وقالباً.
وهذا ما أكده حديث أحد أكبر المخططين لهذا الأمر في الولايات المتحدة الأميركية جون بولتون. وقد فصل في أقواله كيف سيتم هذا التوزيع الجديد وكيف ستؤول إليه الأمور عند وقف العدوان القطاع.
وقبل البدء، أود أن اشير إلى انه قد يتسرب لذهن القارىء عند الحديث على بعض النقاط، ما دخل الفن بالواقع الراهن السياسي في منقطقتنا، لكنه سيجد أن كل ما هو قائم هنا همٌ واحد مترابط لأنه سببه واحد.
إذن...
من الغباء لعقولنا أو لوعينا، ان نلفت أسماع من هم في سدة الحكم من أولياء الأنظمة العربية لهذا الكلام، وإنما نعيده أمام ذاكرتنا التي صدقت يوماً أننا نستطيع أن نكون منفتحين على هذا الغرب بكل تلاوينه الثقافية وأنظمته " الديمقراطية" وبعدما اقنعنا أنفسنا أننا لا نملك ثقافة يمكن ان ننطلق منها لتكوين مجتمع يقوم على فكر متحرك قادر على مواكبة العصر وومحاكات الحضارات والثقافات الأخرى.
فالفكر الغربي بمراحله التاريخية ونهضاته الفكرية تمكن أن يخلق آلية فكرية وعقلا منتجا ومبدعاً في كل ميادين الحياة ومختلف مجالات العلوم، فقدم الاختراعات بما يخدم البشرية، وأنتج الآلات بما يعزز قدرات الانتاج وتوفير الطاقات من خلال منهجية فكرية متحركة.
ونحن في ساحتنا العربية ماذا قدمنا على مدى الأجيال وعبر الحُقب التاريخية التي استهلكناها حقبة بعد حقبة ومرحلة بعد مرحلة، وعصراً بعد عصر.؟
لم ننتج شيئا..!
وفي نظر هؤلاء أننا نرزح تحت ضغط ثقافة مؤطّرة الحركة مانعة للانطلاق مكبِّلةً لحرية العقل أن يتجاوز حدوداً معينة.. وعماد هذه الثقافة مبدأ الإحالة كوسيط بين العجز والخنوع، أو بين الامتناع والتقهقر.
هذا الكلام قد يكون صحيحاً إذا ما ترجمناه بمعني عدم قدرتنا على انتاج قيادات قادرة على رعاية هكذا ثقافة تكون هي من ينتج هذه القيادات أولاً، وليس العكس بأن تكون هذه القيادات هي من أنتج ثقافة بوأتها مناصبها ولمُددٍ زمنية لا يعلم إلاّ الله متى ينهيها بإرادته.
لم يشأ هؤلاء ـ المثقفون ـ أن يقرأوا الأمور على هذا النحو، لأنهم برأينا هم نتاج هذه القيادات، وليسوا نتاج ثقافة وُلدوا في أحضانها وترعرعوا في بيئاتها، وبدل أن يعملوا على تطويرها وتنقيتها من رواسب الجمود والتقوقع أو التلطي في مبدأ قانون الإحالة، انسلخوا عنها حينما افترضوا ـ وعن طريق السماع ـ انها لا تلبي طموحاتهم ورؤيتهم ـ بل يريدون قسراً، أن يقولوا افٍ لهذه الثقافة التي لم تعطنا سوى الإنكسار ولم تعطنا سوى القلق والخوف على المصير.
هؤلاء المثقفون وجدوا في الغرب سرير أحلامهم، لأنهم نالوا ما يرغبون حينما ذهبوا إليه يتسكعون في مقاهيه ويسرحون في شوارعه يتأملون إنجازاته العمرانية ومبانيه، ويعتقدون ـ بحسب مخيلتهم ـ أن هذا الغرب لبّى آمالهم ـ كمثقفين ـ فأشاد المسارح وبنى المكتبات وصروح العلم والمعرفة. بل أكثر من ذلك جعلوا هذه المشاهد ثابتة في أفكارهم فأرخوها في نتاجاتهم المختلفة شعراً ورواية وقصة.. ومحترفاً.......
وهذا حقهم إذا ما قلنا بحرية الموقف والمعتقد والرأي.. ولكن لا أن ينصبوا أنفسهم حماة لهذه الأنظمة وهذه القيادات التي هم أول ضحاياها وأكثر المتضررين منها، (هذا بحسب اقوالهم ونحيبهم بأنهم كانوا يتمنون لو كان ما يجدونه في تلك البلاد موجود في بلادهم).
كل هذه المشاهدات التي يمقلونها حقيقية وموجودة ولا يمكن نكرانها.
ولكن السؤال كيف بنيت هذه الصروح وبنيت هذه المراجع.؟
وما هو دور المثقف الذي هو مرجع من هام من مراجع البناء في العقد الاحتماعي بين الشعوب.؟
وهل المثقف اليوم أمينٌ فعلا على دوره، أم أن البعض منهم جعلوا من عقولهم أدوات لسلخ جلود إخوانهم، من خلال محاولاتهم ذر رماد الفتنات المتنقلة في عيون أبناء الأمة.؟
قبل الغوص في هذه الكيفيات، دعونا ننظر حيث نشأنا وترعرعنا، ومن أي منهل استمدينا ثقافتنا.
يتبع في السياق... القسم الثاني.